فصل: الخبر عن مهلك السلطان أبي عصيدة وخبر أبي بكر الشهيد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن حركة السلطان أبي البقاء إلى الجزائر:

قد قدمنا ما كان من خبر انتقاض الجزائر على الأمير أبي زكريا واستبداد ابن علان بها فلما استولى السلطان أبو البقاء على الأمر وتمهدت له الأحوال وأقلع بنو مرين بعد مهلك يوسف بن يعقوب عن تلمسان أعمل السلطان نظره في الحركة إليها فخرج إليهم سنة سبع وسبعمائة أو ست وسبعمائة وانتهى إلى متيجه ودخل في طاعته منصور بن محمد شيخ ملكين وجمع قومه ولجأ إليه راشد بن محمد بن ثابت بن منديل أمير مغراوة هاربا أمام بني عبد الواد فآواه إلى ظله وألقى عليه جناح حمايته واحتشد جميع من في تلك النواحي من القبائل وزحف إلى الجزائر وأقام عليها أياما فامتنعت عليه وانكفأ راجعا إلى حضرته ببجاية وأقام ملكين على طاعته ومطاولته الجزائر بالقتال إلى أن كان من أمرها وتغلب بنو عبد الواد عليها كما نذكره في أخبارهم.
وجاء معه راشد بن محمد إلى بجاية متذمما لخدمته إلى أن قتله عبد الرحمن بن خلوف كما يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن السلف وشروطه بين صاحب تونس وصاحب بجاية:

لما افتتح السلطان أبو البقاء خالد قسنطينة وقتل ابن الأمير وفرغ من ذلك الشأن أدرك أهل الحضرة الندم على ما استدبروا من مهادنة صاحب الثغر وقارن ذلك مهلك يوسف بن يعقوب الذي كانوا يرجونه شاغلا له فجنحوا إلى السلم وبعثوا وفدهم في ذلك إليه فأسدوا وألحموا.
وشرط عليهم السلطان أبو البقاء أن من هلك منهما قبل صاحبه فالأمر من بعده للآخر والبيعة له فتقرر الشرط وحضر الملأ والمشيخة من الموحدين ببجاية ثم بتونس فأشهدوا به على أنفسهم وربط ذلك العهد وأحكمت أو أخيه إلى أن نقضها أهل الحضرة عند مهلك السلطان أبي عصيدة كما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن سفر شيخ الدولة بتونس ابن اللحياني لحصار جربة ومضيه منها إلى الحج:

لما انعقد أمر هذا الصلح واستتم راجع رئيس الدولة أبو يحيى زكريا بن اللحياني نظره لنفسه وأعمل فكره في الخلاص ممن استوطنه وكان يؤمل رجوع الوفد المقربين بالمهدية من أمراء الديار المصرية إلى يوسف بن يعقوب فيصحبهم لقضاء فرضه وأبطأ عليه شأنهم فاعتزم على قصده وورى بحركته إلى جزيرة جربة لاسترجاعها من أيدي النصارى والرجوع عنها من بعد ذلك إلى الجريد لتمهيد أحواله وتناول الرأي في الظاهر من أمره مع السلطان فأذن له وسرح معه العساكر فخرج من تونس في جمادى سنة ست وسبعمائة غازيا إلى جربة ولم يزل يغذ السير حتى انتهى إلى مجازها ثم عبر منه إلى الجزيرة وكان النصارى لما تغلبوا عليها سنة ثمان وثمانين وستمائة شيدوا بها حصنا لاعتصام الحامية سموه بالقشتيل فنزلت العساكر عليه.
وأنفذ الشيخ أبو يحيى عماله للجباية وأقام في منازلته شهرين ثم انقطعت الأقوات واستعصى الحصن إلا بالمطاولة فرجع إلى قابس ثم ارتحل إلا بلاد الجريد وانتهى إلى توزر ونزلها وأعمل في خدمته أحمد بن محمد بن بهلول من مشيختها فاستوفى جباية الجريد وعاد إلى قابس وأنزله عبد الملك بن عثمان بن مكي بداره وصرح بما روى عنه من حجه وصرف العساكر إلى الحضرة وولي بعده رياسة الموحدين وتدبير الدولة أبو يعقوب بن يزدوتن وتحول عن قابس إلى بعض جبالها تجافيا عن هوائها الوخم وأقام في انتظار الركب الحجازي وكان مريضا فتحول إلى طرابلس فأقام بها عاما ونصفه إلى أن وصل وفد الترك من المغرب الأقصى آخر سنة ثمان وسبعمائة فخرج معهم حاجا ثم قضى فرضه وعاد فكان من شأنه واستيلائه على منصب الخلافة ما يأتي ذكره ووصل مدد النصرانية إلى قشتيل سنة ثمان وسبعمائة بعد منصرف العساكر عنهم وفيهم فردريك ابن الطاغية صاحب صقلية فقاتلهم أهل الجزيرة من المكارية لنظر أبي عبد الله ابن الحسين من مشيخة الموحدين ومعه ابن أومغار في قومه من أهل جربة فأظفرهم الله بهم ولم يزل شأن هذه الجزيرة من المكان مع العدو كذلك منذ نشأت دولة صنهاجة وربما وقعت الفتنة بين المكارية فتصل إحدى الطائفتين يدها بالنصارى إلى أن كان ارتجاعها في هذه النوبة سنة وأربعين لعهد مولانا السلطان أبي يحيى كما نذكره في أخباره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن مهلك السلطان أبي عصيدة وخبر أبي بكر الشهيد:

كان السلطان أبو عصيدة بعد تهيؤ سلطانه وتمهيد ملكه طرقه مرض الاستسقاء فأزمن به ثم مات على فراشه في ربيع الآخر سنة تسع وسبعمائة ولم يخلف ابنا وكان بقصرهم سبط من أعقاب الأمير زكريا جدهم من ولد أبي بكر ابنه الذي ذكرنا وفاته في خبر شقيقه أبي حفص في فتح مليانة أيام السلطان المستنصر فلم يزل بنوه في قصورهم وفي ظل ملكهم ونشأ منهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر في إيالة السلطان أبي عصيدة وربى في جميم نعمته فلما هلك السلطان أبو عصيدة ولم يعقب وكان السلطان أبو البقاء خالد قد نزع إليه حمزة بن عمر عند إياسه من خروج أخيه من محبسه فرغبه في ملك الحضرة واستحثه عليها ثم وصل أبو عبد الله بن يزريكن السلطان أبا عصيدة واستنهض السلطان أبا البقاء لملك تونس فنهض كما نذكر واستراب الموحدون بتونس في شأن حركته فخافوه على أنفسهم فبايعوا لهذا الأمير أبي بكر الذي عرف بالشهيد بما كان من قبلة لسبع عشرة ليلة من بيعته وأبقى أبا عبد الله بن يرزيكن على وزارته وزحزح محمد بن الدباغ عن رتبة الحجابة فتوعده لما كان يحقد عليه من التقصير به أيام سلطانه فكان عونا عليه إلى أن هلك عند استيلاء السلطان أبي البقاء كما نذكره إن شاء الله تعالى.